الأبعاد العالمية لقضية فلسطين وعزلة إسرائيل

25 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 22:27 (توقيت القدس)
تتزايد الحشود الشعبية الداعمة لقضية فلسطين، تولوز- فرنسا في 2025/6/17 (آلان بيتون/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أسفرت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة عن "عولمة قضية فلسطين"، بفضل صمود أهالي غزّة وفشل المحور الأميركي/الإسرائيلي في تغييب السردية الفلسطينية عالميًا.
- تؤثر أربعة عوامل على إمكانية تغيير السياسات لدعم فلسطين: انتفاضة في الضفة، تغيّر مواقف دول التطبيع، مبادرات لكسر حصار غزّة، ودعم دولي لتشكيل ائتلاف لدعم القضية.
- يقف المشهد الفلسطيني على أعتاب تحولات جذرية، قد تؤدي إلى إعادة رسم الخرائط الإقليمية أو تعزيز نموذج المقاومة الفلسطينية.

أسفرت التداعيات الدولية لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة، عن "عولمة قضية فلسطين"، بمعنى إطلاق عملية إعادة تعريف أبعادها الدولية والفلسطينية والإقليمية، في هذه المرحلة الانتقالية التي يمرُّ بها النظامان الدولي والإقليمي، على نحوٍ أظهر تفاعل ثلاثة عوامل؛ أولها ارتقاء العامل التحرري الذاتي المجتمعي الفلسطيني، بفضل صمود أهالي قطاع غزّة، وقوى المقاومة الفلسطينية، على الرغم من الكلفة البشرية الهائلة، والمعاناة الإنسانية الرهيبة، على مدار أكثر من 22 شهرًا متواصلًا. وثانيها استمرار محاولات المحور الأميركي/ الإسرائيلي التحكم في المسار الإقليم، لا سيّما في قضية فلسطين ومصير قطاع غزّة، خصوصًا مسألة منع/ عرقلة المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع تفاقم آثار سياسة "التجويع والقتل الممنهج" للغزيين، في ظلّ غيابٍ رسميٍ عربيٍ وإقليميٍ، لا يتناسب مطلقًا مع تهديد السياسات الإسرائيلية للأمن الإقليمي، تهديدًا غير مسبوقٍ في خطورته، خصوصًا مع انقلاب حكومة اليمين المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، على منطق التسوية السلمية، والاتّفاقات مع الأطراف العربية، فضلاً عن التنكر لقواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، والعودة إلى منطق "القوّة العارية" (سياسات الإكراه)، عبر تصعيد التهديدات، وفرض مناطق النفوذ، والأحزمة الأمنية (المناطق العازلة)، ولا سيّما في الأراضي السورية واللبنانية. وثالثها فشل المحور الأميركي/ الإسرائيلي في تغييب السرديّة الفلسطينية، على الصعيد العالمي، بالتوازي مع زيادة الهوة بين المواقف الرسمية الدولية، وبين المواقف والتحركات التضامنية الشعبية مع قضية فلسطين، التي تمثّل ردًّا على تمادي إسرائيل في سياسات الإبادة والتجويع والتهجير، على الرغم من حقيقة تذبذب حركة التضامن العالمية مع قضية غزّة وفلسطين، وخضوعها لحالاتٍ من المدّ والجزر، تأثرًا بالسياقات العالمية والإقليمية، ولا سيّما الضغوط الأميركية/ الإسرائيلية.

نجاح النظام الإقليمي في تحقيق قدرٍ أعلى من "التماسك" و"الاستقلالية النسبية" عن واشنطن، وهو ما يمكن أن يتعزز في حال نجاح نموذج المقاومة الفلسطينية

في السياق ذاته، ثمّة أربعة عواملٍ تؤثّر على إمكانية فرض الضغوط الشعبية نفسها على صنّاع القرار العالمي، وصولًا إلى تغيير السياسات الرسمية الدولية والإقليمية (نحو دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسات الإبادة)؛ أولها؛ حصول حراكٍ شعبيٍ/جماهيريٍ في الضفّة الغربية، وصولًا إلى "انتفاضةٍ شاملةٍ"، بغية تفكيك أسس الهيمنة الكولونيالية الإسرائيلية على المجتمع الفلسطيني، على نحوٍ يسمح للفلسطينيين جميعًا بإعادة بناء حركتهم الوطنية واستعادة ذواتهم المسلوبة. وثانيها؛ حدوث تغيّرٍ جذريٍ في مواقف دول التطبيع العربي، خصوصًا مصر والأردن، ربما تحت وطأة حراكٍ شعبيٍ، وعودة سياسات الشارع، بسبب تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، بالتوازي مع تفاقم انعكاسات قضية تهجير الفلسطينيين على أمن الدول العربية واستقرارها. وثالثها؛ استمرار المبادرات العالمية والإقليمية، والقوافل التضامنية، لكسر حصار غزّة، سواء عبر البحر أو البرّ، بالتوازي مع تكثيف المظاهرات الشعبية العالمية الضاغطة لوقف حرب غزّة، وفرض عقوباتٍ على إسرائيل، ووقف تزويدها بالأسلحة. ورابعها؛ قيام دولةٍ وازِنةٍ (أو مجموعةٍ من الدول) بدعم تشكيل ائتلاف عالميٍ لدعم قضية فلسطين، ووقف حرب غزّة، بديلًا عن السياسات الأوروبية والأسترالية والكندية في "الاعتراف الرمزي" بدولةٍ فلسطينيةٍ "منزوعة السيادة"، تبقيها "رهينة" سياسات "الأمر الواقع" الإسرائيلية، المدعومة أميركيًّا بكلّ قوّةٍ.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

واستطرادًا في التحليل، يقف المشهدان الفلسطيني والإقليمي على أعتاب مرحلةٍ من التحولات الجذرية، قد تفضي إلى سيناريوهاتٍ متنوعةٍ. أولها؛ نجاح اليمين الإسرائيلي، انطلاقًا من قطاع غزّة والضفّة الغربية، في سياسة إعادة رسم الخرائط والتوازنات الإقليمية، ما يعني تحقيق إسرائيل مكانةً ونفوذًا غير مسبوقين، على الصعيد الإقليمي، على نحوٍ يسمح لها بإملاء شروطها، من دون قيودٍ تقريبًا. وثانيها؛ انفلات الأمور من قبضة إسرائيل، إلى سيناريو "فوضى إقليمية شاملة"، سيعيد خلط الأوراق والسياسات، على نحوٍ يصعب التنبؤ بمآلاته. وثالثها؛ نجاح النظام الإقليمي في تحقيق قدرٍ أعلى من "التماسك" و"الاستقلالية النسبية" عن واشنطن، وهو ما يمكن أن يتعزز في حال نجاح نموذج المقاومة الفلسطينية، خصوصًا إذا اندلعت انتفاضةٌ شعبيةٌ شاملةٌ، وتحريك أنماطٍ من الحراك الشعبي العربي، بما يعيد إلى الشارع العربي وزنه، ويزيد احتمالات التقارب العربي مع تركيا وإيران، لإعادة بناء "منظومة أمنٍ إقليميٍ جماعيٍ" في المنطقة، تكون قائمةً على "عزل/ معاقبة" إسرائيل، ومواجهة سياساتها في تصدير أزماتها الداخلية نحو الخارج، عبر تفكيك/ إضعاف دول الإقليم.

يبقى القول إن تجويع قطاع غزّة وتهجير أهله وإبادتهم واغتيال صحافييه و"إعادة احتلاله"، تمثّل "علاماتٍ مفصليةً" في تحولات النظامين الإقليمي والدولي، على نحو يؤثّر على مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وصولًا إلى "عزلها"، وملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية، في زمنٍ قريبٍ.

المساهمون