استمع إلى الملخص
- تواجه تونس تحديات في إدارة النفايات مع وجود 3200 مكب عشوائي، مما يستدعي تقليل الاعتماد على الطمر وتبني استراتيجيات تدوير النفايات لتحسين البيئة.
- تعتمد تونس على استراتيجية قديمة في إدارة النفايات، مما يسبب مشاكل بيئية، وتحتاج إلى تبني استراتيجيات حديثة لتحويل النفايات إلى موارد اقتصادية وخلق فرص عمل.
أعلنت السلطات في تونس أنها ستطلق قريباً مناقصات لإنشاء وحدات جديدة لتثمين النفايات (عملية تحويل النفايات من مشكلة بيئية واقتصادية إلى مورد ذي قيمة)، في إطار خطة لاحتواء أزمة انتشار المكبات العشوائية والتحوّل نحو الاقتصاد الدائري.
وأوضحت وزارة البيئة أنها باشرت إعداد دفتر شروط لإنجاز 4 وحدات لتثمين النفايات في محافظات تونس الكبرى (تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس وتونس)، واقتربت من نشر المناقصات الخاصة بهذه المشاريع، في إطار مقاربة اجتماعية واقتصادية خضراء ودائرية. واختارت وزارة البيئة إطلاق مشاريع وحدات تدوير النفايات ضمن إقليم العاصمة الكبرى الذي ينتج أكثر من 25% من مجموع النفايات في تونس.
والعام الماضي اعترف وزير البيئة حبيب عبيد خلال جلسة أمام البرلمان بأن تونس تواجه تحدي التصرف بكمية 290 مليون متر مكعب من المياه المستعملة سنوياً، و3.3 ملايين طن من النفايات المنزلية، وقال: "أحصت أجهزة وزارة البيئة نحو 3200 مكب عشوائي تتراوح مساحتها بين متر واحد وهكتارات، في مقابل إشراف الوزارة على 16 مكباً مراقباً تعالج 7600 طن من النفايات يومياً".
ويرى المتحدث باسم شبكة تونس الخضراء، حسام حمدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "إطلاق مشاريع جديدة لمعالجة النفايات سيُساعد في الحدّ من أزمات التلوث البيئي التي خلفها انتشار مكبات عشوائية، وشبه خروج المكبات التي تخضع لمراقبة من الخدمة". ويؤكد أن "نظام معالجة النفايات القائم على الطمر استنزف الأراضي ولوّث المياه الجوفية وأيضاً الهواء الناجم عن الانبعاثات الغازية ما خلق احتجاجات محلية متكررة عند امتلاء مواقع طمر حرائق أو اندلاعها أو حصول تسريبات".
ويشير أيضاً إلى أن "المنظمات الدولية تحث الحكومات على تقليل اللجوء للطمر عبر استراتيجيات تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة وسماد، لذا يجب أن تدعم السلطات التونسية كل المبادرات والمشاريع الجديدة التي تهدف إلى تحويل مسار النفايات من الطمر إلى التدوير، وتطوير سلاسل للفرز وإعادة التدوير وتحويل النفايات إلى قيمة اقتصادية. وتدوير النفايات يساعد في خفض الانبعاثات الغازية الدفيئة التي تفرزها المكبات المفتوحة أو غير المراقبة، ومشاريع التقاط الغاز في المكبات أو تحويله إلى طاقة تقلّل بدورها من البصمة الكربونية".
وتقدر إحصاءات محكمة المحاسبات كمية النفايات الخطيرة التي تلقى في المحيط البيئي بـ142 ألف طن سنوياً، من دون أن يكترث أحد بالتداعيات أو بتكاليف إزالتها والتي تقدّر بـ670 مليون دينار تونسي (227 مليون دولار) سنوياً.
وكشف التقرير السنوي لهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية لعام 2022 أن محافظات تونس الكبرى تنتج 25% من الكميات السنوية للنفايات التي تستقبلها مكبات مراقبة وشبه مراقبة، بينما تستوعب منطقة جبل شاكير نسبة 46.5% من إجمالي النفايات المنقولة إلى المكبات المراقبة.
وكانت تونس أحصت في إطار خطة للقضاء على المكبات العشوائية عام 1994 وجود نحو 1300 مكباً، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3200 مكب بعد 30 عاماً. ويقول حمدي إن "التجارب الناجحة في مجال تدوير النفايات أظهرت أن مشاريع معالجة الفضلات تقلل مساحة الأراضي المُستخدمة للطمر وتلك التي يفترض أن تستخدم كمطامر جديدة". يضيف: "تسرّع مشاريع التدوير جهود إغلاق وإعادة تأهيل المكبات المصنّفة بعد استقرار الغازات، ومعالجة المياه الجوفية، كما يمكن تحويل المساحات المسترجعة إلى خضراء أو مناطق صناعية خفيفة، ما يقلل مخاطر الصحة العامة ويحسّن جودة المياه".
يتابع: "إذا نجحت تونس في هذا المسار لن تقلل فقط أضرار طمر النفايات، بل ستبني صادرات جديدة وتخلق فرص عمل محلية وتعزز النمو الأخضر".
وعموماً تقترب غالبية المكبات التي تخضع لمراقبة من الإغلاق نتيجة انتهاء مدة صلاحيتها. وأصدر القضاء فعلياً قرارات بإغلاق عدة مكبات استناداً إلى دعاوى رفعها سكان واشتكوا فيها من اضرار الانبعاثات الغازية والتلوث الذي تسببه للمحيط،
لكن وزارة البيئة تمنع انهاء العمر القانوني لمكبات المراقبة بسبب عدم وجود بدائل، وضعف تنفيذ استراتيجية التصرف في النفايات عن طريق التدوير والتثمين.
ويقول الخبير في التنمية والموارد الطبيعية حسين الرحيلي لـ"العربي الجديد" إن "تونس لا تزال تتبنى استراتيجية قديمة لمعالجة النفايات والتصرف بها وضعت في قمة ريو دي جانيرو للبيئة عام 1992، واستمرار اعتماد هذه الاستراتيجية بعد أكثر من 30 عاما يخلّف مشاكل بيئية كبيرة". يضيف: "مواصلة التصرّف بالنفايات المنزلية عن طريق تقنيات الطمر من دون معالجة أو تثمين ينشر المكبات العشوائية التي تتفرع من المكبات التي تخضع لمراقبة بعدما باتت غير قادرة على استيعاب كميات النفايات التي تفرز يومياً من القطاع المنزلي". ويشير إلى أن "غالبية دول العالم تخلّت عن الدور التقليدي لوزارات البيئة، والمتمثل في الجمع ومعالجة النفايات مقابل الاهتمام بقضايا البيئة الناجمة عن التغيرات المناخية".