الأبحاث المرتبطة بمرض ألزهايمر بين تقدّم محدود وجدالات محتدمة
استمع إلى الملخص
- يشهد تشخيص ألزهايمر تطورًا مع اختبارات دم بسيطة لتحديد المؤشرات الحيوية، لكن الجدل مستمر حول كفايتها للتشخيص بمفردها، حيث يظل الفحص السريري الشامل ضروريًا.
- عوامل الخطر مثل ضعف السمع والتدخين والبدانة مرتبطة بألزهايمر، وتظل فعالية برامج الوقاية محدودة، وتتطلب تقييمات طويلة الأمد.
تستمرّ الجهود البحثية لمكافحة مرض ألزهايمر الذي يصادف الأحد المقبل يومه العالمي، خصوصاً في مجال التشخيص. وعلى الرغم من كلّ ما يُبذَل في هذا السياق، ما زالت الأوساط العلمية بعيدة عن إيجاد علاج فعّال لهذا المرض، في حين أنّ النقاشات حوله ما زالت محتدمة بشدّة. ويحلّ اليوم العالمي لمرض ألزهايمر لعام 2025، في 21 سبتمبر/ أيلول، تحت عنوان "اسأل عن الخرف"، والهدف منه تشجيع الحوارات المفتوحة وطرح الأسئلة وتعزيز الفهم من أجل تعزيز الدعم المجتمعي.
ما مدى فاعلية أدوية مرض ألزهايمر الجديدة؟
يتمحور الجدال الأهم في ما يخصّ مرض ألزهايمر، أكثر أشكال الخرف شيوعاً إذ يُصيب عشرات الملايين في العالم، حول فاعلية الأدوية الجديدة. فهل تحمل الأدوية التي طُرِحت حديثاً فائدة فعلية؟ بعد عقود من الأبحاث غير المثمرة، يُعَدّ دواء "كيسونلا" (دونانيماب) الذي تصنّعه شركة "إيلاي ليلي" ودواء "ليكيمبي" (ليكانماب) من شركتَي "بايوجين" و"إيساي" أوّل الأدوية التي أثبتت تأثيراً واضحاً في إبطاء أعراض مرض ألزهايمر بين المصابين به.
لكنّ الفوائد التي تُلاحَظ لدى المرضى فقط في بداية المرض، ما زالت متواضعة جداً، بحسب خبراء، ومن ثم لا تُحدث فرقاً يُذكَر. وعلى الرغم من ذلك، يُحتمَل أن يسبّب هذان الدواءان نزفاً دماغياً خطراً. وقد اتّخذت السلطات الصحية في مختلف أنحاء العالم قرارات متباينة بشأن هذَين الدواءين. وكانت فرنسا آخر الدول التي أعلنت موقفها في هذا الإطار، إذ قرّرت في بداية سبتمبر الجاري عدم تغطية تكلفتَيهما بواسطة الضمان الاجتماعي في الوقت الراهن.
وبينما تسعى جمعيات معنية بمكافحة مرض ألزهايمر، ولا سيّما في المملكة المتحدة، إلى الحصول على ترخيص لهذَين الدواءَين، تتّخذ جمعيات أخرى موقفاً أكثر تحفّظاً وتوازناً. وفي ربيع 2025، أشارت منظمة "فرانس ألزهايمر" الفرنسية الرائدة في هذا المجال إلى أنّ "ليكيمبي" يمثّل "ابتكاراً علاجياً"، لكن من المهمّ "مراعاة القيود الجوهرية" له.
كيف يُشخَّص مرض ألزهايمر؟
ويجري نقاش آخر بين المتخصّصين، مع اتّساع الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية: كيف يُشخَّص مرض ألزهايمر؟ وسُجّل تقدّم كبير في تسهيل التشخيص من خلال اختبار دم بسيط يحدّد "المؤشّرات الحيوية" لآليات الدماغ المرتبطة بالمرض. ويُمثِّل ذلك ثورة مقارنة بالاختبارات الحالية التي تُعَدّ متعبة ومُكلفة لعدد كبير من المرضى، مثل البزل القطني.
تجدر الإشارة إلى أنّ البزل القطني، المعروف كذلك بالبزل النخاعي، اختبار يُستخدَم لتشخيص حالات صحية، بحسب مجموعة "مايو كيلنك" الطبية والبحثية. ويُجرى هذا الاختبار في منطقة أسفل الظهر، تحديداً في المنطقة القطنية، وفي خلاله يُصار إلى إدخال إبرة في المسافة الفاصلة بين عظمتَين قطنيتَين تُسمَّيان فقرتَين، ثمّ تؤخَذ عيّنة من السائل الدماغي النخاعي لفحصها.
وأُجيز أوّل فحص دم في الولايات المتحدة الأميركية في مايو/ أيار 2025، لكنّ الوضع يختلف في أوروبا، في وقت يجري العمل على برنامج واسع النطاق في المملكة المتحدة لتقييم ما إذا كانت هذه الاختبارات تُحدث تغييراً جذرياً، وقد أُطلقت حديثاً تجربة سريرية.
ويُطرَح سؤال: هل هذه الاختبارات سوف تكون كافية بحدّ ذاتها يوماً ما؟ تختلف المواقف في هذا الخصوص. في نهاية عام 2024، غيّرت "ألزهايمر أسوسييشن"، المؤسسة المرجعية في الولايات المتحدة الأميركية، معاييرها لوصف المؤشّرات الحيوية الكافية وحدها للتشخيص.
وفي أوروبا، ما زال المتخصّصون يظنّون أنّ الفحص السريري الشامل سوف يظلّ ضرورياً لتأكيد خسارة القدرات المعرفية والوظيفية. ويقول الطبيب الهولندي إيدو ريتشارد المتخصّص في الأمراض العصبية، الذي يبدي تشكيكاً في العلاجات الجديدة، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ "مرضى كثيرين يظهرون مؤشّرات حيوية غير طبيعية، لكنّهم لا يُصابون بالخرف مطلقاً".
وتتقاطع المسألتان لأنّ مؤيّدي "ليكيمبي" و"كيسونلا" يظنّون أنّ التشخيص المبكر، قبل ظهور الأعراض السريرية الواضحة، يمكن أن يُضاعف فاعلية هذه العلاجات.
هل من الممكن أن تكون الوقاية فاعلة؟
يُجمع الخبراء على عوامل الخطر المتعدّدة المرتبطة بمرض ألزهايمر، وبالخرف عموماً. وأشار تقرير نشرته مجلة "ذا لانسيت"، في عام 2024، إلى أنّ نحو نصف الحالات تعود إلى أسباب يمكن تحديدها، من قبيل ضعف السمع والتدخين والبدانة. لكنّ الخبراء يختلفون بشأن مدى إمكانية ترجمة هذه الملاحظة إلى إجراءات ملموسة وفاعلة.
وتختبر دراسات إضافية فاعلية برامج الدعم التي تشجّع المصابين بمرض ألزهايمر على ممارسة النشاط البدني بانتظام واتّباع نظام غذائي صحي، لكنّ هذه التجارب أتت "من دون تأثير يُذكَر على التدهور المعرفي أو ظهور الخرف"، بحسب ريتشارد. وأجرت أحدث دراسة، نُشرت هذا الصيف في دورية الجمعية الطبية الأميركية "جاما"، قياساً للقدرات المعرفية لمصابين بمرض ألزهايمر في الولايات المتحدة الأميركية خضعوا لعامَين من الدعم المكثّف. وبيّنت أنّه على الرغم من تباطؤ تدهور وضعهم إلى حدّ ما، بقي تأثير الوقاية محدوداً.
ويرى مراقبون أنّ "التأثير ليس كبيراً"، الأمر الذي أكدته المتخصّصة الفرنسية في علم الأوبئة سيسيليا ساميري، في منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، في خلال مؤتمر نظمته مؤسسة "فانكر" الفرنسية حول مرض ألزهايمر. ترى الباحثة أنّ "ما تحقق يُعَدّ إنجازاً كبيراً في الأساس"، مشيرةً إلى أنّ من غير الممكن تقييم الفاعلية الكبيرة للتدخّلات ضدّ اضطرابات تطورية طويلة الأمد إلا من خلال تجارب سريرية تستمرّ على مدّة تراوح ما بين 10 أعوام و15 عاماً.
(فرانس برس، العربي الجديد)