حصار باماكو... مالي بلا الحليف السابق والأصدقاء الجدد

04 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:15 (توقيت القدس)
أزمة وقود في باماكو، 7 أكتوبر 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد مالي تصاعدًا في التوترات الأمنية والسياسية، حيث تحاصر جماعات مسلحة العاصمة باماكو، مما يعقد الأوضاع المعيشية ويؤدي إلى انقطاع التموين وإغلاق المدارس.
- تتبنى الجماعات المسلحة تكتيكات جديدة لتعطيل الحياة الاقتصادية، مما يضع الجيش المالي أمام تحديات كبيرة ويزيد الضغط على السلطة السياسية في ظل هشاشة التحالفات العسكرية.
- دعت دول عدة رعاياها لمغادرة مالي بسبب المخاطر الأمنية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة سياسية حادة، مما يعزز قوة الجماعات المسلحة.

تعقدت الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي على نحو غير متوقع، وانتقلت ساحة التوتر من شمال البلاد إلى مشارف العاصمة المالية باماكو التي تحاصرها كتائب مسلحة، تتبع تنظيم أنصار الإسلام والمسلمين الموالي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ما أدى إلى قطع التموين عن باماكو، وتعقد الأوضاع المعيشية في المدينة، وسط محاولات حكومية لفكّ الخناق عن العاصمة والمناطق القريبة.

منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، توقفت المدارس والمؤسسات التعليمية عن العمل، بعدما قرّرت وزارتا التعليم الوطني والتعليم العالي إغلاق المؤسسات التعليمية، وأبلغت المعلمين والطلّاب وأولياء الأمور بقرارها تعليق الدراسة في جميع أنحاء البلاد، حتى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، على أمل أن تُستأنف الدراسة المعلّقة بسبب التوترات المتصاعدة في العاصمة وكبرى المدن المالية، وانقطاع إمدادات الوقود، ما يؤثر على حركة الموظفين، في ظلّ حصار تفرضه الجماعات المسلحة على كامل طرق الإمداد بالوقود. وتقر الحكومة بأن "هذا الوضع غير مسبوق في مالي"، بحسب كلام رئيس المجلس الانتقالي المالي (برلمان مؤقت) مالك دياو.

يذكر أن مالي يحكمها مجلس عسكري منذ انقلاب 2020 (تبعه انقلاب 2021)، ويرأسه حالياً أسيمي غويتا الذي مدّد له المجلس الانتقالي في يوليو/تموز الماضي لولاية جديدة من خمس سنوات.

تتبنى الجماعات المسلحة خطة لتقويض أركان النظام عبر تعطيل الحياة الاقتصادية

تكتيك جديد لـ"أنصار الإسلام"

في الفترة الأخيرة، تبنت الجماعات المسلحة المنضوية تحت تنظيم أنصار الإسلام والمسلمين، خطة تقوم على محاولة تقويض أركان النظام في مالي، عبر تعطيل الحياة الاقتصادية، والسيطرة على مسالك التموين بالوقود على وجه الخصوص، وعمدت إلى مهاجمة مركبات النقل المدنية والمنتجات النفطية بهدف خنق الاقتصاد المالي. وفي هذا السياق، يؤكد الناشط السياسي المالي المستقل محمد آغ عصمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح أن أنصار الإسلام تعتمد في هذه المرحلة على تكتيك جديد عبر ضرب سلاسل الإمداد والمرافق الحيوية واستهداف الحركة الاقتصادية لإضعاف الموقف الداخلي وتأزيم الأوضاع". وبحسب آغ عصمان، فإن التنظيم يعتقد أن تعطيل التموين بالوقود، من خلال مهاجمة قوافل الوقود وقطع الطرق بين العاصمة والمدن الحدودية، سيسّهل تعطيل الحركة الاقتصادية والاجتماعية وشلها بالكامل، وعملياً، فقد أمكن له تحقيق جزء من هذه الغاية، عبر ضرب دورة الاقتصاد المحلي والأنشطة التجارية والحياة الاجتماعية. ويلفت الناشط إلى أن "حصار العاصمة باماكو يعد تحدياً عسكرياً حقيقياً بالنسبة للجيش المالي في مواجهة المسلحين، ويضعف من الموقف الداخلي بالنسبة للسلطة السياسية القائمة، وفي حال لم تتمكن من فكّ الحصار وتأمين وصول التموين، وتأمين طرق التجارة، واستعادة النسق الممكن للحياة الطبيعية، سيكون من الصعب عليها تحمل التداعيات".

نتيجة لهذا الوضع، يؤكد شهود عيان في باماكو، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن أسعار الوقود المهرب الذي يباع بأكثر من سبعة أضعاف السعر المعمول به، يبقى غير كاف، وانعكس ذلك على باقي المواد التموينية التي تناقص وجودها في السوق المحلية، خصوصاً في مناطق سيغو وموبتي وكوتيالا وسط البلاد.

ولفكّ هذا الحصار الخانق، أعلن الجيش المالي، أول من أمس الأحد، أن وحدات برّية وجوية رافقت 600 شاحنة وقود إلى باماكو، قدمت من ساحل العاج، ونجحت في ضمان وصولها دون أي حادث أمني، في ما وصف أنه أكبر قافلة إمداد منذ بداية التصعيد الأمني الأخير. وأطلق الجيش عملية عسكرية خاصة "فوغا كيني" لفكّ الحصار عن العاصمة، وتأمين طرق الإمداد الحيوية ومحاورها التي تربط باماكو بالمناطق الحدودية في اتجاه دول السنغال وغينيا وساحل العاج.

وتظهر آخر التطورات، أن الجيش المالي بصدد الخروج تدريجياً من الوضع الدفاعي، ومحاولة السيطرة في مواجهة مجموعات مسلحة تعتمد نهج العصابات، لكن ذلك لا يغطي وجود هشاشة أمنية صعبة بالنسبة لمالي، وخصوصاً في ظل الجرأة التي تتعامل بها المجموعات المسلحة ووصولها إلى مشارف باماكو، وهو وضع قد يحيل نسبياً إلى أوضاع مشابهة سادت عند انهيار القوات الدفاعية المالية ربيع عام 2012، عندما سيطرت الجماعات المسلحة بالكامل على مدن شمال مالي.

تحالفات غائبة في مالي

لكن ذلك يدعو إلى التساؤل عن فاعلية التحالفات العسكرية الميدانية التي عقدتها مالي مع كل من النيجر وبوركينا فاسو (اللذين بدورهما عاشا انقلابين عسكريين في 2022 و2023، ويحكمهما مجلسان عسكريان) وقوات الفيلق الأفريقي (بديل عن مرتزقة فاغنر) التي تتبع وزارة الدفاع الروسية، وجميع هؤلاء أتت بهم القيادات العسكرية الانقلابية بديلة عن الحليف الفرنسي السابق الذي أدّى دوراً محورياً في الحؤول دون سيطرة التنظيمات المسلحة على كامل الأراضي المالية في السنوات السابقة على الانقلاب. وما يفاقم الوضع حصول الجماعات المسلحة على فدية قدرت بـ50 مليون دولار دفعتها الإمارات للمسلحين، وفق ما ذكرت وكالة رويترز في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتحرير مواطنين اثنين من رعاياها قبل أيام. ويتخوف مراقبون أن توجه الفدية لاستخدامها في شراء أسلحة وتوظيفها في أنشطة هذه الجماعات في مالي ومنطقة الساحل الأفريقي.

تدعو التطورات إلى التساؤل عن فاعلية التحالفات العسكرية التي عقدتها مالي مع النيجر وبوركينا فاسو، ومع قوات الفيلق الأفريقي

ومنذ 30 أكتوبر الماضي، دعت دول عدة، بينها الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وتركيا، رعاياها إلى مغادرة مالي فوراً، بسبب مخاطر أمنية تتهدد باماكو، حيث أوصت واشنطن الثلاثاء الماضي، الأميركيين الموجودين حالياً في مالي، بمغادرة البلاد عبر الطيران التجاري، وفق السفارة الأميركية في مالي، متحدثة "عن وضع يصعب التنبؤ به في باماكو". كما أذنت السلطات الأميركية لموظفي الحكومة غير الأساسيين وأفراد عائلاتهم بمغادرة مالي، وقدّرت أن فرض الجماعات المسلحة حصاراً على دخول الوقود، قد يتطور إلى تهديد آخر، في صورة دخول لهذه الجماعات إلى العاصمة المالية.

وتأتي هذه التطورات في ظلّ وضع سياسي مرتبك داخل مالي نتيجة عدم العودة إلى المسار الدستوري، على الرغم من المطالبات المستمرة من قبل القوى السياسية المالية بذلك، فضلاً عن استمرار الأزمة السياسية الحادة بين باماكو والجزائر منذ نهاية 2023.

ويعرب محلّل الشؤون الأمنية في منطقة الساحل، محمد ولد المحفوظ ، والذي نشر بحثاً عن علاقة الجماعات المسلحة في الساحل بالتوازنات الإقليمية، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "هذه التطورات تحيل إلى تغير لافت في المشهد المالي، على مستويين: مستوى جغرافي، إذ انتقلت المواجهة بين الحكومة المالية والمجموعات المسلحة إلى العاصمة من مناطق الشمال التي كانت تسعى فيها السلطة المالية إلى استعادة سيطرتها على المنطقة القريبة من الحدود الجزائرية، لكنها لم تتمكن من تحقيق كامل سيطرتها برغم استعادتها مدناً مهمة على غرار تمبكتو وكيدال من أيدي حركات الأزواد، وفي المستوى الثاني، فإن المواجهة هذه المرة تجري بين السلطة والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة، ما يخفف بشكل كبير الضغط على حركات الأزواد في شمال مالي، التي استعادت منذ إبريل/نيسان الماضي زمام المبادرة في المواجهة في الشمال".

يذكر أن تنظيم أنصار الإسلام والمسلمين، هو تحالف بين مجموعة تنظيمات مسلحة كانت تنشط في منطقة الساحل وشمال مالي قرب الحدود مع الجزائر، بعد أن انضوى فيه كل من جماعة "أنصار الدين" و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وكتيبة "المرابطون" و"كتائب ماسينا". وأعلن عن هذه الوحدة في مارس/آذار 2017، وعُيّن أياد أغ غالي أميراً للتنظيم (من الطوارق، عمل في تسعينيات القرن الماضي دبلوماسيا في سفارة مالي بمدينة جدة السعودية، مطلوب للجنائية الدولية)، وشارك في مفاوضات السلام التي كانت تشرف عليها الجزائر قبل عام 2012. بات التنظيم اليوم يمسك بمنطقة جغرافية هشة تمتد من شمالي النيجر ومالي حتى الحدود الليبية. ويساعد غالي في قيادة التنظيم المسلح الحالي، أمير كتيبة الصحراء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الجزائري يحيى أبو الهمام، وقاضي إمارة منطقة الصحراء في "القاعدة" عبد الرحمن الصهناجي، وأمير "كتائب ماسينا" محمد كوفا، والحسن الأنصاري نائب أمير كتيبة "المرابطون" (بقيادة الجزائري مختار بلمختار الذي ترجح الولايات المتحدة مقتله بغارة فرنسية). وبايع التنظيم الجديد عند إعلان نشأته قبل سنوات، زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري (قتل بغارة أميركية في كابول عام 2022) وزعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود (عبد المالك دروكدال- قتل بغارة فرنسية في 2020 بالصحراء المالية) الذي يتمركز في شرقي الجزائر، والملا هبة الله أخوند زادة في أفغانستان. وفي مارس/آذار 2020، أعلن هذا التنظيم استعداده للتفاوض مع الحكومة المركزية في مالي وبدء مسار السلام في المنطقة قبل الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا.

المساهمون