استمع إلى الملخص
- تتزايد الدعوات الدولية لوقف النزاع في السودان، حيث تطالب اللجنة الرباعية بهدنة إنسانية وعملية انتقالية، بينما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى آلية مساءلة للجرائم.
- رغم قبول الحكومة السودانية للمبادرات السلمية، تواجه الهدنة تحديات في التنفيذ، وقد تُستغل لتعزيز قوة المليشيات، مما يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي في دارفور.
طغى الحديث عن هدنة محتملة في السودان، اليوم الثلاثاء، على ما عداه في الشأن السوداني، رغم استمرار تكشّف المزيد من صُور ما بات يرقى إلى جرائم حرب وفق منظمات دولية، ارتكبت في الفاشر بإقليم شمال دارفور، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع أخيراً، بعد 18 شهراً من الحصار. وهو ما تطرق إليه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم، خلال أعمال القمة الثانية للتنمية الاجتماعية، إذ عبرّ "عن صدمتنا جميعاً من هول الفظائع التي ارتكبت في الفاشر وإدانتنا القاطعة لها"، مضيفاً أنه "آن الأوان لوقف الحرب في السودان والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدته وسيادته وسلامة أراضيه". بدوره، حثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "على وقف فوري للأعمال العدائية في السودان"، معتبراً أنه "يجب إنشاء آلية مساءلة بشأن الجرائم المرتكبة في السودان"، ومحذراً من أن الحرب "باتت تخرج عن السيطرة.
هدنة مرتقبة في السودان
ويترقب السودانيون ويأملون أن تدخل بلادهم في هدنة إنسانية تستمر ثلاثة أشهر، في وقت تواصلت المعارك، اليوم، بين الجيش و"الدعم" التي تحاول تعزيز وجودها في إقليم شمال كردفان المجاور لشمال دارفور.
ويجري الحديث عن هدنة محتملة بوساطة أميركية، وهو ما كرّره أمس الاثنين مبعوث الرئيس دونالد ترامب للشؤون الأفريقية والعربية، مسعد بولس، في وقت أكد مجلس الأمن والدفاع السوداني، اليوم، على عزمه مواصلة قتال "الدعم السريع".
دعت الرباعية إلى هدنة تعقبها عملية انتقالية شاملة
وتمّ اقتراح الهدنة من وسطاء اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، وذلك ضمن خريطة طريق لتسوية الأزمة، إذ دعت اللجنة الرباعية إلى هدنة إنسانية تعقبها عملية انتقالية شاملة في البلاد تُختتم خلال تسعة أشهر. وكانت اللجنة الرباعية طرحت في 12 سبتمبر/أيلول الماضي خريطة طريق لتسوية الأزمة، وشدّدت على أنه لا يوجد حلّ عسكري قابل للتطبيق للصراع، محذرة من أن الوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر على السلام والأمن. وخلال الأيام الماضية، أجرى بولس سلسلة اجتماعات في القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة على مقترح الهدنة الإنسانية.
واجتمع مجلس الأمن والدفاع السوداني، اليوم، برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لدرس مقترح الهدنة الأميركي. وقال وزير الدفاع، حسن داوود كبرون، إثر الاجتماع "الطارئ"، إنه خلص إلى: "الترحيب بالجهود المخلصة التي تدعو إلى إنهاء معاناة السودانيين التي سبّبها تمرد مليشيا آل دقلو الإرهابية، شكر الولايات المتحدة والسيد مسعد بولس مستشار الرئيس ترامب على جهودنا المقدرة، وترحيبنا بأي جهد ينهي معاناة السودانيين، استنهاض واستنفار الشعب السوداني لمساندة القوات المسلحة للقضاء على المليشيا من أجل إنهاء هذا التمرد، في إطار التعبئة العامة لجهود الدولة من أجل إنهاء هذا التمرد، تقديم رؤية حكومة السودان حول تسهيل وصول المساعدات الإنسانية واستعادة الأمن والسلام في كل أنحاء السودان، وقد تمّ تكليف لجنة بشأن المسائل المتعلقة بالوضع الإنساني".
ويأتي كل ذلك في وقت تواصل "الدعم السريع" انتهاكاتها في المناطق التي تسيطر عليها خصوصاً في مدينة بارا بشمال كردفان، والفاشر التي "لا تزال محاصرة"، وفق الأمم المتحدة. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، أمس، من نيويورك، إن المدنيين غير قادرين على مغادرة الفاشر فيما قتل المئات منهم، بمن فيهم عاملون في المجال الإنساني، ولا يزال عدد كبير "محاصراً داخل المدينة مع انقطاع أو انعدام التواصل مع العالم الخارجي".
من جهتها، قالت شبكة أطباء السودان، اليوم، إن التقارير الميدانية من مدينة بارا بشمال كردفان، تفيد بأن عشرات الجثث لا تزال مكدّسة داخل المنازل بعدما منعت "الدعم" ذوي الضحايا من دفنها، "ليبقى الموتى محاصرين في بيوتهم، ويبقى الأحياء محاطين بالرعب والجوع والعطش". وأكدت أن هناك تزايداً في أعداد المفقودين يومياً، مع انقطاع كامل للاتصالات وانعدام أي وجود طبي أو إنساني فاعل في المدينة. وأشارت الشبكة إلى أنه "في ظلّ هذا الجحيم، تتواصل موجات النزوح الجماعي من بارا في ظروف بالغة القسوة، حيث يفرّ المدنيون سيراً على الأقدام نحو المجهول". وأكدت أن ما يحدث في بارا جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس.
استفادة "الدعم"
وتعليقاً على احتمالات الهدنة، أوضح الكاتب والمحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين، لـ"العربي الجديد"، أن أي مسعى لتحقيق السلام مقبول، وقد أعلنت الحكومة قبولها كل المبادرات في هذا الشأن، وقبلت بمنبر جدة منذ البداية، ولا تزال تؤكد التزامها بذلك، مضيفاً أن الحكومة قدمت خريطة طريق تحمل رؤيتها لتحقيق السلام وفق محددات وثوابت وطنية. وأشار إلى أن الهدنة من حيث المبدأ أمر مقبول، لكن السؤال هو بأي طريقة وعلى أي أساس؟ لافتاً إلى أن طبيعة الجرائم التي ارتكبتها الدعم تجعل من الصعب على الحكومة تجاوز رغبة الشارع ألا يكون لهذه المليشيا أي دور في المرحلة المقبلة، وعدم قبول أي دور لنظام أبوظبي لأنه الداعم الرئيسي لها، على حدّ اعتباره. وأشار محيي الدين إلى أن المستفيد من الهدنة هو المليشيا، وهو أمر موضوعي، لأن فكرة الهدنة طرحت قبل اجتياح الفاشر ووقوع الجرائم، متسائلا: "لماذا لم يتم الضغط لتحقيق الهدنة قبل ذلك؟". ولفت إلى أن حدوث هدنة يعني مزيداً من وصول السلاح للمليشيا من الإمارات، أو أن يكرس ذلك سطوة المليشيا على دارفور وفرض رؤية تذهب لطرد المواطنين من مناطقهم والإتيان بعرب الشتات (مستوطنين من عرب أفريقيا) ليستقروا في دارفور وإحداث تغيير ديموغرافي بقيام كيان ربما يسمى دولة موازية لاحقا"، معتبراً أن كلا السيناريوهين مرعبان.
شبكة أطباء السودان: عشرات الجثث مكدسة بالمنازل في بارا
من جهته، رأى المحلل السياسي صلاح مصطفى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الشعب السوداني هو المستفيد الأول من الهدنة، لكن سياسياً ستكون "الدعم السريع" المستفيد بسبب الضغط الكبير الذي تواجهه حالياً، مضيفاً أن الجيش يواجه ضغوطا من اتجاهين ضمن مؤيديه: الأول يؤيد الهدنة والآخر يرفضها، لكنه سيكون المستفيد عسكريا من الهدنة باعتبار أن الجيوش النظامية أكثر استفادة من أوقات الراحة. وأشار مصطفى إلى أن الهدنة لو كانت مدخلاً لتفاوض يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحرب ستكون مهمة جداً وتجب على الطرفين الموافقة عليها والالتزام بها، أما إذا كانت بمثابة استراحة لـ"الدعم السريع" من المجازر التي ستعود لممارستها، فمن الأفضل استمرار القتال.
ميدانيا، كثّف الجيش السوداني، اليوم وأمس الإثنين، غاراته على عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة "الدعم" في كردفان، في وقت أعلنت "الدعم" إسقاط طائرة شحن فوق مدينة بابنوسة التي تحاصرها بولاية غرب كردفان، لكن مصادر عسكرية تابعة للجيش أكدت أن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني.