الانتخابات البرلمانية السابعة... الديمقراطية في الانعاش

04 نوفمبر 2025
+ الخط -

على مبعدة سبعة أيامٍ من الانتخابات البرلمانية السابعة منذ عام 2003، لا تبدو مواقع التواصل الاجتماعي في العراق عند الدرجة نفسها من الحماسة والحرارة التي يُبديها المُرشَّحون. وما عدا البرنامج السياسي الساخر "البشير شو"، الذي عاود البثّ مع بداية الحملات الانتخابية، والبرامج الحوارية السياسية في القنوات العراقية المختلفة، نجد خفوتاً، إن لم نقل لا مبالاةً عامّة، في الشارع العراقي. فحتى المقاطعون لا يروّجون للمقاطعة، على العكس ممّا حصل مثلاً في انتخابات عامَي 2018 و2021. هناك شعورٌ عام بأن الديمقراطية ماتت، على الأقلّ هي في غرفة الإنعاش، فحين يقاطعها غالبيةُ مَن يحقّ لهم التصويت، سيكون من الصعب النظر إليها أنّها معبّرة عن "إرادة الشعب".
بدل الانشغال بالصراعات بين الزعماء السُّنّة، أو صراع رئيس الوزراء مع بعض المُرشَّحين الذين أقصاهم بشكاوى قانونية ثمّ عادوا إلى السباق الانتخابي، تابع العراقيون حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، وتحسّروا على المتحف العراقي الذي بُني في الستينيّات ولم تجر عليه أيّ عمليات تحديث أو توسعة. وكان أحد الأصدقاء، القادم مع عائلته من أوروبا قد تحسّر خلال زيارته آثار بابل على الإهمال وغياب الخدمات قرب المواقع الأثرية. كما انشغل الرأي العام بصورٍ متداولة تُظهر انخفاض مناسيب نهر دجلة إلى مستوياتٍ قياسية، فظهرت جزُر طينية في منتصف النهر، ما يشير إلى كارثة جفافٍ قريبة. ثمّ جاء توقيعُ رئيس الوزراء العراقي مع وزير الخارجية التركي اتفاقيةٍ جديدة تتيح ضخّ مزيد من المياه في نهرَي دجلة والفرات، مقابل اشتراك شركاتٍ تركية في صيانة النهرين وإدارة المشاريع عليهما.
التصوّر العام أنّ الأحزاب الكبرى منشغلة بزيادة عدد مقاعدها في البرلمان، وسط تشابه البرامج والشعارات، وتعيد تدوير الوعود السابقة، مثل توزيع قطع أراضٍ على الموظفين والعسكريين، أو الوعود بالتعيين في دوائر الدولة وتحسين الخدمات. وهي كلّها أمور تعرف الأحزاب أنّها لا تستطيع القيام بها بمفردها، وأنها ستضيع تحت أرجل التحالفات وتقاسم الوزارات، وسينشغل الناس حينها بقضايا أخرى وينسون الوعود الفارغة أصلاً.
الحماسة لزيادة عدد المقاعد، فضلاً عن احتمال عدم الحصول على مقعدٍ أصلاً، أمرٌ مهمّ لتحديد حجم المنافع اللاحقة، ولا علاقة له بمصالح المواطنين المباشرة. فما أن يُغلق الباب على زعماء الكتل الفائزة، فإنّ رأي المواطن سيكون آخر اهتمامات هؤلاء الزعماء، وسيخرجون على الناس برئيس وزراء لم ينتخبه الشعب أصلاً، كما حصل في الدورات السابقة، فهو رئيس وزراء يمثّل رأي زعماء الكتل لا رأي عامّة الناس.
وبغضّ النظر عن أحجام الكتل، فإنّ الجميع سيخضع للأعراف غير المكتوبة التي تمنح الرئاسات الثلاث (الوزراء، البرلمان، الجمهورية) للمكوّنات الكبرى في البلد، ويحدّد كلّ مكوّنٍ الرئيس الذي يمثّله، ثمّ ينشغلون بتقاسم الوزارات والوكلاء والمدراء العامّين، كما هي العادة. هذا المشهد المتوقَّع يبدو أنه أصاب الناس بالملل، فغسلوا أيديهم من الانتخابات وهمومها، خصوصاً وأنّهم يعرفون أن تحديد شكل الحكومة المقبلة ليس بيد العراقيين وحدهم، بل سيكون لرأيي الولايات المتحدة وإيران دورٌ حاسمٌ في ذلك.
ومن يُعوّل على انفراد الولايات المتحدة بتحديد شكل السياسة العراقية المقبلة، عليه أن يقرأ جيّداً معطيات نهاية الحرب في غزّة. فكما يبدو، ستمنع واشنطن نتنياهو من شنّ أيّ حربٍ جديدة في المنطقة، كما أنّ الضغط الأميركي يفشل حتى الآن في تنظيم الساحة اللبنانية، بينما تلتقط إيران أنفاسها وتحاول اللعب بحذرٍ للمحافظة على ما تبقّى لديها، وفي رأس القائمة: نفوذها في العراق.
ربّما يتراجع حلفاء إيران داخل العراق إلى الخلف، لكنّهم لن يختفوا، ولن تقصفهم لا أميركا ولا إسرائيل، وسيكون لإيران رأيٌ في شكل الحكومة، ولو من باب ضمان ألّا تكون معاديةً لها ولمصالحها.