أطفال الذهب السويسري... شركات تعدين متعدّدة الجنسيات تستغلّ الأفارقة

27 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 16:00 (توقيت القدس)
تستورد سويسرا 70% من ذهب السنغال (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ظروف عمل الأطفال: يعمل الأطفال في مناجم الذهب بإقليم كيدوغو السنغالي تحت ظروف قاسية وخطرة، حيث يتركون الدراسة ويعملون لساعات طويلة دون حماية، مما يعرضهم لأمراض وإصابات، في ظل فقر وبطالة مرتفعة.

- انتهاكات حقوق الأطفال: تستغل شركات متعددة الجنسيات الأطفال في استخراج الذهب دون الالتزام بالمعايير الدولية، ورغم توقيع السنغال على معاهدات لحماية حقوق الطفل، إلا أن القوانين المحلية لا تفرض عقوبات رادعة.

- التحديات والحلول: تعترف الحكومة بالتحديات وتؤكد على ضرورة إجبار الشركات على احترام القوانين، لكن الجهود تبقى غير كافية، مما يتطلب تدخلاً حكومياً فعالاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

يمّم الطفل الغيني أحمد جولدي جالو (10 سنوات) وجهه شطر منجم الذهب في إقليم كيدوغو السنغالي (732 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة داكار)، غير مبالٍ بوعثاء سفر بدأ من منطقة كوندارا شمال غربيّ جمهورية غينيا كوناكري المجاورة في رحلة امتدت على مسافة 868 كيلومتراً، تنقل خلالها من مركبة إلى أخرى، غير عابئ بما ينتظره من شقاء مهنة استبدل بها دراسته في الصف الثالث الابتدائي، أملاً في إطعام أسرته المكونة من 4 أفراد، فكل ما يجنيه يرسله لوالدته، مثل ما يفعل 145 طفلاً/ة، بينهم 74 صَبيّة تحت سنِّ 15 عاماً، في حين بلغ عدد من تخطوا الفئة السنية هذه، 7418 حالة، من بينهم 851 طفلة، بحسب بيانات الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا (ANSD) الحكومية في السنغال.

ويعمل الأطفال سواءً مَن كانوا تحت أو فوق سن 15 عاماً، لصالح شركات متعدّدة الجنسيات تنقب عن الذهب في كيدوغو، مثل ENDEAVOUR MINING plc، وشركة التعدين الاسترالية Mining Resolute، وشركة  Massawa Jersey Limited الجنوب أفريقية، والشركة المغربية MANAGEM، وشركة Fortuna Mining الكندية، بحسب إفادة Dalia Tandian داليا تانجا، المنسق الإقليمي للتحالف الوطني للجمعيات والمنظمات غير الحكومية في كيدوغو.

 

انتهاكات خطرة

يعاني الطفل جالو من أمراض تنفسية كالربو، منذ بدأ عمله في مع شركة ENDEAVOUR MINING plc قبل أربع سنوات، ويضيف أنه يتقاضى 272 دولاراً أميركياً شهرياً، ويعمل لمدة تسع ساعات لستة أيام في الأسبوع، ومثله أصاب المرض ذاته ثلاثة أطفال آخرين ومنهم الطفلة السنغالية فانتا كانتي (17 عاماً) التي تعمل في المنجم برفقة أفراد من أسرتها، إلّا أن حالتها أفضل من الطفل السنغالي مامودو كمارا (16 عاماً) الذي يعاني من أمراض تنفسية عديدة بسبب المواد الكيماوية المستخدمة في التنقيب، مثل الزئبق، خاصّة أنه وزملاءه لا يتوفر لهم وسائل السلامة مثل الكمامات، وبالرغم من ذلك، يواصل العمل فلا يوجد خيار آخر يوفر من خلاله ما يسدّ رمق أسرته.

74 صَبيّة تحت سنِّ 15 عاماً يعملن في التنقيب عن الذهب

وليس المرض وحده ما يهدّد "أطفال الذهب"، إذ ينفذون مهامَّ خطرة أثناء عملهم في المناجم على أعماق تصل إلى 15 متراً، مستخدمين حبالاً للنزول إلى القعر، وعند الوصول يباشرون عملهم بأدوات بدائية مثل المثقاب اليدوي، فضلاً عن حمل معدات حفر ثقيلة، كما يقول الطفل البوركيني إبراهيم دزراغاوو (14 عاماً) الذي يعمل في شركة Resolute Mining، لـ"العربي الجديد: "التنقيب بهذه الطريقة يعرضنا لخطر الموت حال انقطع الحبل أثناء النزول أو لدى وقوع شروخ في الجدران".

أطفال أفارقة في خدمة مصافي الذهب السويسرية

ما سبق يؤكّده الناشط الحقوقي تانجا، لـ"العربي الجديد"، والأدهى أنّ بعض الفتيات اللواتي يعملن هناك لا يجدن مأوى أو أقارب يحمونهنّ من مخاطر الاغتصاب، مشيراً إلى أنّ التحالف الوطني للجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وثق معاناة 100 طفل وطفلة يعملون مباشرةً في شركات تنقيب أو لصالح حرفيين يشتغلون في أنشطة مرتبطة بالتنقيب في كيدوغو وحدها.

ويقبل هؤلاء الأطفال العمل وفق الظروف المتاحة والشروط المتوفرة، فلا حلّ أمامهم في ظل حالة الفقر المدقع في المنطقة، كما يصف وضعهم المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في السنغال، سيدو غاساما، مؤكداً لـ"العربي الجديد" إرغامهم على حمل المعدات الثقيلة، والعمل دون وسائل الأمن والسلامة، دونما اعتبار لأعمارهم والقوانين المحلية المنظمة للعمل.

 

شقاء من أجل الذهب السويسري

منذ لحظة وصولهم إلى مناجم الذهب يُستغل الأطفال في العمل دون إبرام عقود معهم، ويجبرون على العمل لساعات طويلة، تتخطى المحددة قانوناً بثماني ساعات، بينما يمنحون رواتب قليلة، ما بين 9 و10 دولارات يومياً، في ظلّ بيئة غير صحية، جرّاء استعمال الزئبق في معالجة المعدن الثمين، بحسب الحقوقي غاساما، مشيراً إلى انتهاك تلك الوقائع للمادة 32 من المعاهدة الدولية لحقوق الطفل، التي تنصّ على أن "تعترف الدول بحق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أيّ عمل يُحتمل أن يكون خطيراً، أو يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني أو الروحي أو الأخلاقي أو الاجتماعي"، ولضمان تنفيذ هذه المعاهدة يجب على الدول سن قوانين تحدّد العمر المناسب للعمل، والوقت والأجور المناسبة، وفق المادة ذاتها.

الصورة
بيئة غير صحية، جرّاء استعمال الزئبق في معالجة المعدن الثمين
بيئة خطرة جرّاء استعمال الزئبق في معالجة المعدن الثمين (العربي الجديد)

وصادقت السنغال على جميع الاتفاقيات الدولية الرئيسية المتعلقة بمكافحة عمل الأطفال، وبناء على ذلك نص القانون، على اعتبار الحد الأدنى لسن العمل 15 عاماً، بينما حدّد القرار الوزاري رقم 3749 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال، الحد الأدنى لسن العمل الخطر بـ 18 عاماً، وفق ما جاء في تقرير مكتب شؤون العمل الدولية (يعمل على تعزيز معايير العمل عالمياً ومكافحة عمالة الأطفال القسرية والاتّجار بالبشر) التابع لوزارة العمل الأميركية لعام 2023، بعنوان "السنغال: نتائج عام 2023 بشأن أسوأ أشكال عمالة الأطفال".

لكن كل ذلك لم يحمِ الأطفال من الاستغلال، إذ تضرب الشركات العاملة في استخراج المعادن بتلك المعاهدات والقوانين عرض الحائط، وتُصدر الذهب المنتج بأيدي الأطفال إلى دول مختلفة، ومنها سويسرا التي تستورد 70% من الذهب المنتج في السنغال، تليها الإمارات العربية المتحدة، وأستراليا، حسب تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا في عام 2018، بعنوان "تعدين الذهب في السنغال"، موضحاً أن الذهب الذي تصدره السنغال إلى الخارج سنوياً يصل 4.3 أطنان بما في ذلك 3.9 أطنان من تعدين خام الذهب، و341 كيلوغراماً من الذهب الرسوبي (ناتج عن تفتت الصخور الأصلية الغنية بالمعدن بفعل التعرية والنقل المائي).

ويعد الذهب منتج التصدير الرئيسي للموارد المعدنية السنغالية بنسبة 61.59%، وفي عام 2019، استحوذت سويسرا على الصادرات السنغالية باستيراد 63.59%، بحسب تقرير صادر عن مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في السنغال (EITI). ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة استوردت 3.53% تليها إسبانيا بنسبة 3.25% ثم الصين 2.90% ومالي بـ 1.13%.

وبينما تعد مصافي التكرير السويسرية من أكبر المستفيدين من الذهب المستخرج من مناجم أفريقيا، لكنّها تتعمد الغموض بشأن مصادر التوريد بحسب تقرير لمؤسّسة "سويس آيد" للتعاون الإنمائي، صدر في مارس/آذار 2023، مؤكدا أنه "لا يمكن تحسين وضع العمال والسكان المحليين الذين يعيشون بالقرب من المناجم بدون شفافية، خاصة ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالتعدين، والمخاطر البيئية"، لكنّ مصافي تكرير الذهب السويسرية تتذرع بالسرية التجارية وقانون المنافسة والأسباب الأمنية لعدم كشف بيانات عملها في القارة الأفريقية وفق التقرير.

الصورة
انتهاكات حقوق فئة ضعيفة تعاني من ظروف عمل خطرة
الفاقة دفعت الأسر إلى إخراج الأطفال من المدارس وحثهم على العمل (العربي الجديد)

 

تقاعس حكومي عن تطبيق القوانين

يجمع الأطفال على أنّ الفاقة الشديدة التي تعاني منها الأسر دفعتها إلى إخراجهم من الدراسة وحثّهم على العمل، خصوصاً في مجال يحصلون من خلاله على مبالغ أفضل من غيره، وتتشابه الظروف السيئة في هذه البلاد لكنّها تتفاوت من حيث نسبة الفقر والبطالة، على سبيل المثال في السنغال، وحسب بيانات الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا، بلغت نسبة البطالة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، 21.7%، ورغم تفاوت النسبة في مناطق مختلفة، إلّا أن كيدوغو تحتل النسبة الأكبر من البطالة إذ تبلغ 61%، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أنّ "فرص العمل في تلك المنطقة ضئيلة جداً، بالمقارنة مع المناطق الأخرى، كما يقول كيكالا جالو عمدة بلدية ديني فيلو في كيدوغو، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن الأطفال هناك تركوا المدارس وتوجهوا للعمل، وبعضهم بصحبة آبائهم، يقول محمد المصطفى اتياندوم، نائب عمدة بلدية باندي فاسي التابعة لإقليم كيدوغو، التي تعتبر من أفقر مناطق البلاد رغم امتلاكها العديد من الثروات الطبيعية.

قوانين السنغال لا تفي بالمعايير الدولية لمكافحة عمل الأطفال    

وتعترف رئيسة القسم الصحي في شركة  Massawa Jersey Limited، ديبو جانج، أن بعض الأطفال العاملين بالتنقيب يصابون بأمراض تنفسية وإرهاق جسدي ومشاكل صحية أخرى، لكنها تشير لـ"العربي الجديد" إلى أنهم هم من يتقدمون بأنفسهم ويطلبون العمل في شركات التعدين، فتشغلهم في أعمال خفيفة، مثل حمل الأجهزة وتنظيفها.

وبالرغم من ذلك، يخالف ما ذكرته جانج قانون الطفل رقم 297 لسنة 2016 الذي يمنع استغلال الأطفال في أماكن العمل، أو إجبارهم على القيام بأعمال لا يقدرون عليها، يقول المحامي خالد أبو الهدي الذي يعمل في مكتبه الخاص في دكار، لـ"العربي الجديد": أنه "طبقاً لهذا القانون، يجب على الحكومة التدخل وإرغام الشركات على احترام حقوق الطفل، وعلى الأقل في حال كانوا لا يشغلونهم في أعمال خطرة، عليهم أن يوفروا لهم وسائل السلامة للوقاية من المخاطر التي تهدّد حياتهم، وقبلها إلزام المشغلين بإبرام عقود رسمية تحمي حقوق العمالة المالية".

 

أسوء أشكال عمالة الأطفال

بينما عملت السنغال على تحليل سوق الشغل غير الرسميّة، مستهدفة أربعة قطاعات رئيسية يعمل الأطفال بها وتسودها ظروف خطرة، وهي "التعدين، وصيد الأسماك، والتسول، والعمل المنزلي"، إلّا أن القوانين المحلية لم تفِ بالمعايير الدولية اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة، في ظلّ أنّ حظر استخدام الأطفال في الأنشطة الخطرة لا يتضمن عقوبات جنائية رادعة بحق المتورطين في تشغليهم، بحسب مكتب شؤون العمل الدولية التابع لوزارة العمل الأميركية، إذ حذر في تقريره سالف الذكر، من "استمرار معاناة الأطفال من أشكال متنوعة من العمل القسري في استخراج الذهب والأعمال المنزلية".

الصورة
مواجهة خطر الموت في حال انقطاع الحبل أثناء النزول
ظروف العمل الخطرة تهدد حياة الأطفال (Getty)

حيال ذلك، تكتفي الحكومة بالتعاون مع بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لتوعية الأهالي بمخاطر العمل في مهن مثل استخراج المعدن الأصفر، كما يقول نائب العمدة إتياندوم لـ"العربي الجديد"، بينما يذكر وزير الطاقة والبترول والمعادن السنغالي بيرام سولاي جوب أنّ الحكومة عازمة على إجبار جميع الشركات التي تعمل في قطاع التعدين على احترام التزاماتها القانونية، مشدداً خلال زيارته إلى مناجم الذهب في كيدوغو، في مايو/أيار 2024، على أن الحكومة لن تتخلى عن دورها في حماية حقوق المشتغلين في قطاع التعدين.

لكن ما سبق لا يعدو كونه تصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع أو تحسن من أوضاع "أطفال الذهب"، فعلى أرض الواقع، لا يزال الصبي الغيني محمد بايو (14 عاما) يشتغل في التنقيب من دون عقد ساعات طويلة، ويقوم بمهام لا تتناسب مع عمره الصغير، في ظل ظروف عيش بائسة بعد ما اضطر منذ خمسة أعوام للهجرة من بلده مفضلاً العمل وإن كان شاقاً وخطراً على الموت جوعاً.